سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ
سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ.
* السؤال:
▪ هل هناك تعارض بين قول وهب بن منبّه -رحمه اللّٰه-: «إذا سُلِكَ بك طريق البلاء فقَرَّ عينًا وطِب نَفْسًا، فقد سُلِكَ بك سبيل الأنبياء والصالحين، وإذا سُلِكَ بك سبيل الرَّخاء فابكِ على نفسك فقد خُولِفَ بك سبيلهم». [الزّهد لأَبي داوود 39]، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم احيه حياة السعداء وابعثه مع الانبياء»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم لاتجعل حياته كدا كدا» أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
* الجواب:
- بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
▫ ليس هناك تعارض واختلاف:
1)- فالإخبار بتقدير كوني عام على الأمة أو على عموم طائفة من عباده لا يتعارض مع ما أمرنا به من التقدير الشرعي ولا يتعارض مع الدعاء والسعي لتحقيق ما أمرنا به من التقدير الشرعي الذي أمرنا به، ولايتعارض أيضا مع طلب العافية والسعي لخير الدنيا المباح، كالتقديرالكوني العام بضلال أكثر الناس والتقدير الشرعي الذي أمرنا به من السعي والاجتهاد لجمع الناس على الإسلام والسنة، وكالتقدير الكوني العام بافتراق الأمة لايتعارض مع ما أمرنا به من السعي لاجتماع الناس على الحق واعتصامهم بحبل الله والسعي لتحقيق العمل بنصوص الأمر بالاجتماع على الحق.
2)- وهناك قلة من المؤمنين حياتهم في عافية، ولايمنع هذا التقدير الكوني العام من الدعاء بالعافية والسعادة والعمل لتحقيقها للاستعانة بها على طاعة الله.
3)- وقول وهب -رحمه الله- صرحت به الأحاديث المرفوعة وكذلك الموقوفة على الصحابة -رضي الله عنهم-:
> وروى أحمد والدارمي والترمذي بسند صحيح عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟، قَالَ: الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ البَلَاءُ بِالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ».
> وكذلك حديث تشبيه المؤمن بخامة الزرع، عن كَعْب بن مالك قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَثَلُ الْمُؤْمِنِ؛ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِن الزَّرْعِ، تُفِيئُهَا الرِّيحُ تَصْرَعُهَا مَرَّةً وَتَعْدِلُهَا أُخْرَى حَتَّى تَهِيجَ، وَمَثَلُ الْكَافِرِ؛ كَمَثَلِ الْأَرْزَةِ الْمُجْذِيَةِ عَلَى أَصْلِهَا لَا يُفِيئُهَا شَيْء، حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً»(رواه مسلم).
> وآثار الصحابة -رضي الله عنهم- صريحة في ذلك كما روي من أثر عمر مع زوجة خالد حين استشاره خالد -رضي الله عنهما-، وتجد الكثير من هذه النصوص والآثار في شرح حديث تشبيه المؤمن بخامة الزرع وتشبيه المنافق والكافر بشجرة الأرز "لابن رجب"، وقد ورد عن الصحابة خوفهم من الرخاء، تجدها في شرج ابن رجب السابق وغيره.
4)- أثر "ابن وهب" فيه تعزية وتصبير للمؤمن ولا يعني ذلك عدم سعي المؤمن لدفع البلاء والفقر وغيره عن نفسه والعمل بأسباب السعادة لإسعاد نفسه بالمباح.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين.