آخرُ المواضيع

الجُنَيْدُ بْن مُحمّدٍ

 
 
 
الجُنَيْدُ بْن مُحمّدٍ
 
 
 * السؤال:
 
1- ما هي عقيدة الجنيد بن محمد؟
 
2- هل ثبت في السنة أو الآثار أن لله -عزوجل- فمًا؟
 
 
 * الجواب:
 
- بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
 
1/- أَمّا الجُنَيْدُ بْن مُحمّدٍ؛ الرّجلُ أحدُ الّذينَ ينتَسِبُ إليهِم المُتصوِّفَة، وقد قال ابْن عاشِرٍ الأشعرِيِّ صاحبُ المَنظومةِ في العقيدةِ والْفِقْهِ المالكِيِّ والتّصوُّفِ لمّا ذكَرَ طريقتَهُ: ‹‹في عَقْدِ الْأَشْعِرِيِّ وَفِقْهِ مَالِكٍ °° وَفِي طَرِيقَةِ الجُنَيْدِ السَّالِكَ››.
 
وَلم يَرضَ بعقدِ مالِكٍ- رحمهُ الله- ولا بطريقتِهِ ولا بزهدِهِ.
 
- وهذا الجُنَيْدُ هو نَهَاوَنْدِيٌّ بغداديٌّ والمُتصوِّفةُ يُلقّبونهُ بشيخِ الطّائفةِ، وقد ذكرَ "أبو نُعيمٍ" أنّه كان في أوّلِ أمرِهِ يتفقّهُ على طريقةِ أهلِ الحديثِ كأبِي عُبيدٍ وغيرِهِ، وذكرَ الجُنَيْدُ عن نفسِهِ أنّهُ كان يُفْتِي في حَلقَةِ "أَبُو ثورٍ" ولهُ عشرونَ سنة ثمّ بعد ذلِك صَحِبَ "الحَارِثَ المُحَاسبي" وسلَكَ مسلَكَهُ؛ والحَارِثُ المُحَاسبي زندقَتُهُ وكُفرُهُ غيرُ خافييْنِ على أهلِ السّنّةِ، وهوَ صاحِبُ "الوسَاوِسِ وَالخَطَرَاتِ" الّتِي تكلّمَ عَليهِ فيهَا أبو زرعَةَ وأجِلَّةُ الأئمّةِ وكِبارُهُمْ- رحمهم الله-(۱).
 
- وقد تأثّر كذلكَ بطائفةٍ منْ أصحابِ الأحوالِ والمقاماتِ بتلكَ التّرتيباتِ والتّوجيهاتِ الصّوفيّةِ البدعيّةِ.
 
ولا أعلمُ أحدًا منَ المُتقدّمينَ أثنَى عليهِ، اللّهمَّ إلّا من يُسميهِ بعضُ المفتونينَ "بِشيخِ الإسلام" اِبن تيمِيَّة فهو الوحيدُ الّذي أثنى عليهِ وسمّاهُ "العارفَ بالله"! وغيرِ ذلكَ منَ العباراتِ، وتَبِعَ ابن تيميَّة بعضُ الضّلّالِ الّذين لا وزنَ لهم ولا لكلاَمهم عندَ أهلِ السّنّةِ، فلا يغترّ العبدُ بثناءِ اِبنِ تيميَّةٍ على الجُنَيْدِ، ذلكَ أنَّ اِبنَ تيميَّة يُثنِي على رؤوسِ المعتزلةِ والأشاعرة بل والرّافضَةِ فلا عَجبَ أن يُثنِيَ على المُتصوّفةِ بعدَ ذلكَ.
 
- كما أنّ لِلجُنَيْدِ بعضَ الكتبِ والرّسائلِ وهي قليلةٌ، ولم أقرأها صراحةً، إلّا أنّ بعضَ أهلِ السّنّةِ والجماعةِ ينقُلُ عنهُ بعضَ الكلماتِ في الاِتّباعِ مثلًا وفي ذمّ الكلَامِ كما نقلَ الهروِيُّ في كتابِهِ (ذمّ الكلَام)؛ وَصَنيع الهَرَوِيِّ هذا الباعثُ عليهِ أمرانِ:
 
- الأوّلُ: أنّ ذمَّ الكلامِ معلومٌ عندَ أهلِ السّنّة وَعند أهلِ البدعةِ منَ المُتصوّفةِ وغيرِهِم.
 
حتّى أنّ بعضَ الأشعريَّةِ ذمّوا علمَ الكَلامِ كاِبنِ الصّلاح والسُّيوطيِّ وغيرُهُما.
 
- الأمرُ الثاني: أنّ البيئةَ الّتي كان فيها الهَرَوِيّ -رحِمهُ الله- كَثُرَ فيها التّصوّف فنقلَ هذا الكلام من جهةِ أنّ الجُنَيْد أحدُ المُتصوّفةِ وهوَ يذمُّ علمَ الكلامِ.
 
2/- أهلُ السّنّةِ والجماعةِ أهلُ التّوحِيدِ والأثرِ يُثبِتونَ لله -عزوجل- ما أثبتَهُ لنفسِهِ، ويُثبتُونَ ما أَثبتَهُ لهُ رسولُهُ -صلّى الله عليهِ وآله وسلّمَ- وما جاءت بهِ الآثارُ وقَبِلَهُ أئمّةُ الدّينِ وعلماءُ المسلمِينَ.
 
ولَا يُعْلَمُ هذا الكلامُ عن أحدٍ منَ الأئمّةِ الكبارِ ولا تفوَّهَ بهِ أحدٌ ممَّن تقَدَّمَ زمانُهُ، وهذا منَ التّكلُّفِ المنهِيِّ عنهُ قالَ الله تعالىٰ ﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾{ص |86}.
 
← وقد قال الإمام أحمد في كتابه "الرد على الجهمية والزنادقة" بعدما أن ذكر كلام المخالفين من الجهمية؛ وأما قولهم "إن الكلام لا يكون إلا من جوف وفم وشفتين"، قال بعد ذلك: "وكذلك الله تكلم كيف شاء من غير أن يقول بجوف ولا فم ولا شفتين ولا لسان"(۲).
 
← وقال الدارمي في النقض: "وَأَمَّا قَوْلُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ جِسْمٍ فَهُوَ كَافِرٌ، فَلَيْسَ يُقَالُ كَذَلِكَ، وَلَا أَرَاكَ سَمِعْتَ أَحَدًا يَتَفَوَّهُ بِهِ كَمَا ادَّعَيْتَ، غَيْرَ أَنَّا لَا نَشُكُّ أَنَّهُ خَرَجَ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى دُونَ مَنْ سِوَاهُ.
 
- وَذِكْرُ الجِسْمِ وَالفَمِ وَاللِّسَانِ؛ خُرَافَاتٌ وَفُضُولٌ مَرْفُوعَةٌ عَنَّا، لَمْ نُكَلَّفْهُ فِي دِينِنَا، وَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّ الكَلَامَ يَخْرُجُ مِنَ المُتَكَلِّمِ"(۳).
 
هذا الأصلُ الَّذي نَبْنِي عليهِ وننطلِقُ منهُ فنقفُ حيثُ وقفَ الأثرُ.
 
 ‏═══════════
۱- قال الحافظ سعيد بن عمرو البردعي: شهدت "أبا زرعة" وقد سئل عن الحارث المحاسبي وكتبه،
فقال للسائل: إياك وهذه الكتب، هذه كتب بدع وضلالات، عليك بالأثر، فإنك تجد فيه ما يغنيك.
- قيل له: في هذه الكتب عبرة.
- فقال: من لم يكن له في كتاب الله عبرة فليس له في هذه الكتب عبرة، بلغكم أن سفيان ومالكا والأوزاعي صنفوا هذه الكتب في الخطرات والوساوس. ما أسرع الناس إلى البدع! [تاريخ بغداد| 8/211].
 
• ️وقال الخلال أخبرنا المروذي: أن أبا عبدالله ذكر حارثا المحاسبي
- فقال: "حارث أصل البلية -يعني حوادث كلام جهم-، ما الآفة إلا حارث، عامة من صحبه انتهك إلا ابن العلاف فإنه مات مستوراً. حذروا عن حارث أشد التحذير.
- قلت: إن قوماً يختلفون إليه؟
- قال: نتقدم إليهم لعلهم لا يعرفون بدعته، فإن قبلوا وإلا هجروا. ليس للحارث توبة، يشهد عليه ويجحد، وإنما التوبة لمن اعترف" ا هـ.
 
• وقال علي بن أبي خالد: "قلت لأحمد: إن هذا الشيخ -لشيخ حضر معنا- هو جاري، وقد نهيته عن رجل، ويحب أن يسمع قولك فيه: حرث القصير «يعني حارثا المحاسبي»، كنت رأيتني معه منذ سنين كثيرة، فقلت لي: لا تجالسه، ولا تكلمه، فلم أكلمه حتى الساعة. وهذا الشيخ يجالسه، فما تقول فيه؟
 
- فرأيت أحمد قد احمر لونه، وانتفخت أوداجه وعيناه، وما رأيته هكذا قط، ثم جعل ينتفض ويقول: ذاك فعل الله به وفعل، ليس يعرف ذاك إلا من خبره وعرفه، أوّيه، أوّيه، أوّيه. ذاك لا يعرفه إلا من قد خبره وعرفه. ذاك جالسه المغازلي ويعقوب وفلان فأخرجهم إلى رأي جهم. هلكوا بسببه.
 
- فقال له الشيخ: يا أبا عبدالله، يروي الحديث ساكناً خاشعاً، من قصته ومن قصته؟
 
- فغضب أبو عبدالله وجعل يقول: لا يغرّك خشوعه ولينه، ويقول: لا تغتر بتنكيس رأسه، فإنه رجل سوء، ذاك لا يعرفه إلا من قد خبره. لا تكلمه ولا كرامة له. كل من حدث بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مبتدعاً تجلس إليه؟! لا ولا كرامة، ولا نعمى عين. وجعل يقول: ذاك! ذاك!" ا هـ.
 
۲- [مناظرة الجهم للسمنية| بيان ما أنكرت الجهمية من أن يكون الله كلم موسى| ص137].
 
۳- [كتاب النقض على المريسي، لأبي سعيد الدارمي| باب إثبات الضحك| ص347].
 
 
 
 
 
 وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين.