عذر المتأول
عذر المتأول.
* السؤال:
▪ هل يجوز الدعاء للكافر بالشفاء من المرض، وما هو الدليل؟
▪ ما صحة هذا الكلام:
- الذين يتأولون النصوص الشرعية على غير تأويلها لهم ثلاثة مراتب:
* المرتبة الأولى: أن يكون صادراً عن مجتهد، بحيث إذا تبين له الحق رجع عن تأويله، فهو معفو عنه، لأن هذا منتهى اجتهاده.
* المرتبة الثانية: أن يكون صادراً عن هوى وتعصب، وله وجه في اللغة العربية، فهو فسق، إلا أن يتضمن نقصاً أو عيباً في حق الله ورسوله فيكون كفراً.
* المرتبة الثالثة: أن يكون صادراً عن هوى وتعصب وليس له وجه في اللغة فهو كفر لأن حقيقته التكذيب حيث لا وجه له، لذا اختار شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية لفظ التحريف بدل التأويل.
- فالحديث الذي استدل به جماعة استحلال سرقة أموال الكفار قد سمعه الصحابة - رضي الله عنهم - من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونقله الحفاظ وكتبه الأئمة الأعلام في كتبهم وله شروحات كثيرة جداً، ولكن لم يقل واحد منهم إن أموال الكفار والمشركين تستحل بالسرقة، بل قالوا : هي مستباحة بالقتال كما أشار الحديث الشريف : "أمرت أن أقاتل" ولم يقل أمرت أن أسرق.
ولو فهم الصحابة والسلف الصالح الحديث كما فهمه جماعة الاستحلال لكان انتقاصاً في حق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ أنه لم يأخذ أموال الكفار التي كانت عنده قبل الهجرة، وقد فعل كفار قريش ما فعلوا بالمسلمين من اغتصاب أموالهم وتعذيبهم وإخراجهم من مكة.
وكذلك هو قدح في عدالة الصحابة لأنهم سمعوا هذا الحديث ولم يعملوا به، حيث لم ينقل عن واحد منهم أنه سرق من أموال الكفار، وكذلك هو اتهام ورمي السلف الصالح بالجهالة والتقصير : لأنهم لم يبينوا أن أموال الكفار والمشركين تستحل بالسرقة.
* الجواب:
- بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
ج/1)- الكافر الذي لا يؤذي المؤمنين، يجوز الإحسان إليه بنص الآية.
* قال الله تعالى ٰ﴿لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾{ الممتحنة | 8 }.
- ومنه الدعاء بالشفاء ولكن يكون مقرونا بالدعاء بالهداية خروجا من الخلاف، وحديث "رقية الكافر بالفاتحة" نص في ذلك "والرقية دعاء وسبب للشفاء" وسئل الإمام "أحمد" -رحمه الله- ما تقول في عيادة أهل الذمة من الجيران والقرابة؟ قَالَ: يقول، إذا عاد الذمي: كيف تجدك؟ أصح الله جسمك وأطال عمرك.
▪ وردا على اعتراض بعض الإخوة على ما كتبته بشأن "جواز الدعاء للكافر بالشفاء" -بالشرط السابق- وخشيته أن ذلك يضعف عقيدة البراءة!.
- وقوله بأن (استدلالي بحديث البخاري في رقية "أبي سعيد" لزعيم ذلك الحي لا دلالة فيه).
• أقول له -غفر الله لك- الرقية "دعاء" وسبب للشفاء كالدعاء تماما، وراجع روايات الحديث تجد ما يدل على أنهم من الكفار -لقولهم "صاحبكم"! ولعدم استضافتهم للصحابة-، وترك ذلك ليس من الورع، وليس في ذلك شبهة الموالاة والمناصرة والمحبة، وديننا يقوم على الدليل لا على ما استحسنته العقول والأهواء.
ج/2)- وأما التفاصيل التي ذكرت في عذر المتأول فهي على مذهب "العاذرية الجهمية" والتي نشرها ابن جهمية الحراني -ابن تيمية-.
- والتأول الخاطئ فيما يسوغ فيه الخلاف ليس هو محل الخلاف مع "الجهمية العاذرية" من أدعياء السنة وغيرهم، وإما في المسائل الكبرى التي يترتب عليها التضليل؛
• فلا عذر لأحد فيما أودعه الله في الفطر والعقول من أصول معرفته وتوحيده كالوحدانية وأنه الخالق المدبر وأنه مرتفع فوق خلقه، ولا عذر في كبار المسائل لمن بلغه الدليل.
- وأما عذر الجاهل العامي فهو في مسائل خفية مخصوصة محدودة "كاللفظ" ونحوها ولا عذر للعالم فيها، وبعض ما ذكر من "أعذار الجهمية" أمور باطنة خفية كالهوى ومثل هذا لا ترتب عليه الأحكام -لأنها منوطة بالظاهر- وأما العذر بأوجه اللغة فهذا ما نشره الجهمية المتأخرون من أدعياء السنة.
• وهذا جهل منهم باللغة والشرع وجهل بحقيقة أقوال الفرق وأهل الأهواء.
- فكل حجج الجهمية في نفي الصفات قامت على قواعد منها بعض محامل اللغة، وحتى نفيهم لصفة العلو تعلقوا باللغة مع فساد تعلقهم لأن حقيقة لغة العرب في أساليبها عدم نفي الأصل في الكلمة واللفظة إذا استخدمت لمعنى آخر مشابه إلا بدليل وقرينة صريحة غير متوهمة تنفي أصل وضع الكلمة واللفظة ومعناها.
• والصحابة -رضي الله عنهم- لم يقبلوا عذر من احتج بنصوص شرعية أو منسوبة للشرع على ضلالته.
* فكيف يقبل عذر من احتج باللغة على ضلالته؟!
- وأتباع مسيلمة استند بعضهم لحديثين أحدهما مكذوب والآخر صحيح حملوه على غير محمله؛ المكذوب ما شهد به "الرجال بن عنفوة" -لعنه الله- حيث وضع حديثا مكذوبا بأن النبي ﷺ شهد للكذاب بالإشراك بالنبوة، واحتج بعضهم بقول النبي ﷺ عن مسيلمة الكذاب «أما إنه ليس بشركم» والمعنى أن في قومه "كالرجال بن عنفوة" وغيره من يساويه و يزيد عليه في الضلال.
• والصحابة -رضي الله عنهم- لم يجعلوا ذلك عذرا لهؤلاء الجهال في ضلالة الشرك في النبوة، مع أنهم جهال لا يملكون المصاحف مع غلبة الأمية فيهم وقرب عهدهم بالجاهلية.
• وكذلك لم يعذر الصحابة -رضي الله عنهم- الخوارج والقدرية مع احتجاجهم وتعلقهم بنصوص شرعية حملوها على غير معناها،فمن باب أولى عدم عذر من احتج باللغة في "كبار الضلالات".
ج/3)- ولا تجوز الخيانة والسرقة للكافر، وهذه مغايرة لاستباحة أموالهم بغير ذلك.
• جزاك الله خيرا على حرصك على دينك.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين.