جواب شبهة
جواب شبهة.
* السؤال:
▪ ما ردكم - بارك الله فيكم - بشأن هذه الرواية في تفسير آية الربا.
- وَقَالَ أَحْمَدُ ، عَنْ يَحْيَى ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ : مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ آيَةُ الرِّبَا ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ قَبْلَ أَنْ يُفَسِّرَهَا لَنَا ، فَدَعُوا الرِّبَا وَالرِّيبَةَ . { رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ }.
- وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ هَيَّاجِ بْنِ بَسْطَامٍ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : خَطَبَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ : إِنِّي لَعَلِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ تَصْلُحُ لَكُمْ وَآمُرُكُمْ بِأَشْيَاءَ لَا تَصْلُحُ لَكُمْ ، وَإِنَّ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا آيَةَ الرِّبَا ، وَإِنَّهُ قَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ لَنَا ، فَدَعُوا مَا يُرِيبُكُمْ إِلَى مَا لَا يُرِيبُكُمْ.
* الجواب:
- بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
▪ جواب شبهة بشأن هذه الرواية وأمثالها، وبيان:
أ/- عدم معارضة ذلك لكمال الشريعة.
ب/- عدم مخالفة ذلك لكمال البلاغ والبيان الذي أتمه ﷺ.
ج/- عدم الغض والتنقص من علم الفاروق عمر -رضي الله عنه-.
• ما سبق فيه فوائد منها تضمنه الرد على "النظامية الخوارج" من هذا الوجه، فالأثر فيه:
1)- أن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يتجنبون الرأي والكلام في دين الله "بغير علم"، ومن ذلك "التفسير" حيث لا يفسرون القرآن من محض رأيهم و كانوا يسكتون عما سكت عنه النبي ﷺ؛
• ومن أجل ذلك فآثارهم التي ثبتت عنهم في التفسير وغيره حتى إن لم يصرحوا بسماع ذلك من النبي ﷺ فهي ذات "حجية".
* لماذا؟
• لأن الأصل الغالب في (منهاجهم وسيرتهم وعلمهم وأقوالهم وأفعالهم) أنه مبني على ما سمعوه من النبي ﷺ، وكحد أدنى مافهموه وعقلوه من النصوص وهم فوقنا في كل شيء علما وفهما وعقلا ولغة وتسديدا وتوفيقا.
2)- والشاهد أنهم كانوا لا يفسرون ما لم يفسره النبي ﷺ و يسكتون عنه ولا يتكلفون في الكلام في دين الله بغير علم كما في الأثرين أعلاه.
3)- وأما قولهم بالرأي المحمود فحالات نادرة قليلة والأصل الغالب منهم بيان أن ذلك القول اجتهادي محض.
4)- الرأي الاجتهادي للصحابة والتابعين -رضي الله عنهم- خير من رأينا لأنفسنا وخير من رأي من بعدهم.
• وهذا عين ما روي عن "الحسن البصري" -رحمه الله- «رأينا لهم خير من رأيهم لأنفسهم»، وأدلة الشريعة والآثار وأيضا -دلالة العقل والنظرالصحيح- تؤيد ذلك.
5)- ومعنى قول "عمر" -رضي الله عنه- لا يتنزل على أصل "معنى الربا".
• فهذا لا يجهله بعض العامة،فكيف بعمر -رضي الله عنه-؟!
- ومما يدل عليه نهي "عمر" -رضي الله عنه- هنا عن "الربا"، فهل ينهى عن مجهول؟!
• وقول "عمر" -رضي الله عنه - جرى على عادة استعمال لسان العرب وهذا أسلوب لغوي مستخدم بكثرة في نصوص الشريعة وهي التعبير بالكل نفيا أو إثباتا والمراد البعض كنفي الكمال وهو بعض الشيء فينفي الكل؛ كقوله "يجعلون أصابعهم" عبر بالكل والمراد البعض رأس الأصابع "الأنامل"، ونفي الإيمان « لايؤمن..وهو مؤمن..» في أحاديث "الجار الغادر" و"الزاني" والمراد كماله وبعض الإيمان ولكنه عبر بالكل.
• وكذلك قول "عمر" -رضي الله عنه- يتناول بعض صور الربا المحتملة الخلافية، لأن "عمر" -رضي الله عنه- لا يخفى عليه حديث الأموال الربوية الستة وكذلك ربا الفضل والنسيئة، وربا الفضل لم يعلم بتحريمه بعض الصحابة "كزيد بن أرقم" و"معاوية" وغيرهم -رضي الله عنهم-، وكلام "عمر" -رضي الله عنه- عن صور محتملة للربا ويدخل في ذلك ما لا يعلمه بعض الصحابة -رضي الله عنهم- لعدم بلوغ النص لهم.
6)- ليس في ذلك طعن في كمال الشريعة أو كمال وتمام البلاغ والبيان من النبي ﷺ، لأن الشريعة جاءت بالأمر أو النهي العام في بعض المسائل ويندرج في ذلك مسائل ظاهرة بينة جلية وأخرى محتملة اجتهادية.
• وهذه حكمة بليغة لأن الحوادث والصور متجددة على مر العصور فوضحت الشريعة الأصول التي يجتهد ويقاس عليها، فمثلا صورة "التورق" (غير المنظم)، هل هو من البيع المباح أو من الربا المماثل لربا العينة؟!
- والمقصود أن تمني البيان فيها (لو وقع وتم) -لرفع خلاف طارئ لتعدد وكثرة الصور المستحدثة المسببة لكثرة الاختلاف الفقهي بشأنها- لا حرج فيه؛ كمن خفي عليه نصوص العفو عن "يسير النجاسة" فقال وددت لو أنه بين لنا في ذلك بنص صريح لكي يطمئن قلبه وليرتفع خلاف من شك وتردد بشأن ذلك.
• وهذا لا يخدش في كمال الشريعة الآمرة بالطهارة وتجنب النجاسة وفيها النهي عن التكلف والغلو،وفيها بيان يسر الشريعة وعدم تشديدها على الأمة، وهذه وغيرها أصول يندرج فيها العفو عن "يسير النجاسة" مع أن نصوص العفو عن ذلك جاءت بها الشريعة كحديث البخاري في حك "عائشة" -رضي الله عنها- لقطرة "دم الحيض" بريقها وظفرها، مع وجود الماء وكحديث "جواز الاستجمار" مع وجود الماء وفتوى "ابن عباس" -رضي الله عنهما- في المصنف عن العفو عن المتطاير من ماء الاستنجاء..وغير ذلك.
7)- والمقصود حمل مثل ذلك على المعنى الأتم الأكمل الأهدى والأليق، وهذه "قاعدة شرعية" قد نص عليها علي -رضي الله عنه-.
• وهذا أيضا مندرج ضمن قاعدة عدم تتبع المتشابه.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين.