أصل الدين المعلوم بالفطرة
"أصل الدين" المعلوم بالفطرة.
* السؤال:
▪ما صحة إطلاق القول بأن "أصل الدين" معلوم بالفطرة ومن خالف "كافر"؟!
▪ ما صحة إسناد هذا الأثر وهناك من يحتج به على أن الايمان بالكتب والرسل من المعلوم بالفطرة؟!
• قال ابن بطة في الإبانة الكبرى: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻌﺒﺎﺱ ﺑﻦ ﻣﻬﺪﻱ اﻟﺼﺎﺋﻎ ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ اﻟﻌﺒﺎﺱ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﺎﺗﻢ, ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﺒﻴﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﻮﺳﻰ اﻟﻌﺒﺴﻲ , ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺃﺑﻮ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﺮاﺯﻱ , ﻋﻦ اﻟﺮﺑﻴﻊ ﺑﻦ ﺃﻧﺲ , ﻋﻦ ﺃﺑﻲ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ , ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺑﻦ ﻛﻌﺐ , ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﴿ﻭﺇﺫ ﺃﺧﺬ ﺭﺑﻚ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺁﺩﻡ ﻣﻦ ﻇﻬﻮﺭﻫﻢ﴾ [اﻷﻋﺮاﻑ: 172] ﺇﻟﻰ ﻗﻮﻟﻪ ﴿ﺃﻓﺘﻬﻠﻜﻨﺎ ﺑﻤﺎ ﻓﻌﻞ اﻟﻤﺒﻄﻠﻮﻥ﴾ [اﻷﻋﺮاﻑ: 173] ﻗﺎﻝ: ﺟﻤﻌﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻓﺠﻌﻠﻬﻢ ﺃﺯﻭاﺟﺎ, ﺛﻢ ﺻﻮﺭﻫﻢ ﺛﻢ اﺳﺘﻨﻄﻘﻬﻢ, ﻓﻘﺎﻝ ﴿ﺃﻟﺴﺖ ﺑﺮﺑﻜﻢ ﻗﺎﻟﻮا ﺑﻠﻰ ﺷﻬﺪﻧﺎ ﺃﻥ ﺗﻘﻮﻟﻮا ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ﴾ [اﻷﻋﺮاﻑ: 172] ﻟﻢ ﻧﻌﻠﻢ ﺑﻬﺬا , ﻗﺎﻟﻮا: ﻧﺸﻬﺪ ﺃﻧﻚ ﺭﺑﻨﺎ ﻭﺇﻟﻬﻨﺎ , ﻻ ﺭﺏ ﻟﻨﺎ ﻏﻴﺮﻙ, ﻭﻻ ﺇﻟﻪ ﻟﻨﺎ ﻏﻴﺮﻙ، ﻗﺎﻝ: ﻓﺈﻧﻲ ﺳﺄﺭﺳﻞ ﺇﻟﻴﻜﻢ ﺭﺳﻠﻲ , ﻭﺃﻧﺰﻝ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻛﺘﺒﻲ , ﻓﻼ ﺗﻜﺬﺑﻮا ﺑﺮﺳﻠﻲ , ﻭﺻﺪﻗﻮا ﺑﻮﻋﺪﻱ , ﻓﺈﻧﻲ ﺳﺄﻧﺘﻘﻢ ﻣﻤﻦ ﺃﺷﺮﻙ ﺑﻲ ﻭﻟﻢ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﻲ، ﻗﺎﻝ: ﻓﺄﺧﺬ ﻋﻬﺪﻫﻢ ﻭﻣﻴﺜﺎﻗﻬﻢ.
* الجواب:
- بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
ج/1)- وقبل الشروع في الرد على شبهة وتلبيس يلقيه بعض أهل الجهل والغلو ممن يدرجون في مسائل "أصل الدين" التي من النوع الذي يعلم بما أودعه الله في الفطر والعقول لابد من التنبيه على ما يلي:
1- عدم صحة إطلاق القول بأن "أصل الدين" معلوم بالفطرة ولكن نقول بأن "أصل الدين" فيه المعلوم بالفطرة:
> كإفراد الله "بالعبادة".
> وتكفير من عبد غيره.
> وأنه الخالق المدبر وأنه مرتفع فوق خلقه...
• ومن "أصل الدين" أيضا ما يعلم "بالخبر" وليس "بالفطرة":
> كشهادة أن محمدا رسول الله ﷺ وإخراج هذه الشهادة من "أصل الدين" ضلالة منكرة.
2- عدم الخوض بجدال هؤلاء "الجهال الغلاة"، والأولى إحالتهم على تلك المقالات التي كتبت في الرد عليهم وقد جمعنا في مقال سابق الأدلة المتعلقة بتحديد ما يعلم بالفطرة.
3- قال هؤلاء الجهال بما أن مسألة "الولدان" مقدرة فهي من القدر، والعلم بالقدر من "أصل الدين"، فعلى ذلك فمسألة "الولدان" من "أصل الدين"!
• ولا أدري والله كيف يتقحم هؤلاء مسائل العلم مع هذا الجهل والبلادة وسوء الفهم؟! -حسبنا الله ونعم الوكيل- وهذا من تزيين الشياطين ووحيها لهم ليشقوا الصفوف ويلبسوا على "أهل التوحيد" دينهم.
▫والرد كالتالي:
أ/- قد نهينا عن التكلف والغلو، وهذا منها.
ب/- قد نهينا عن الخوض في مسألة "الولدان" والتكلف بشأنها وكثرة الكلام حولها، وهذا منها.
ج/- "القدر" له أربع مراتب:
* [فالعلم والخلق 2،1]؛ لا شك أن كل مكلف قد جعل الله في قلبه وعقله أصل معرفة الله حين أخذ الله "الميثاق" وهذا من أصل معرفة الله" بلا شك.
* وأما مرتبة [الكتابة للمقادير 3]، فهذه مرتبة للقدر لا تعرف إلا "بالخبر".
* وأما مرتبة [المشيئة والإرادة 4]، فيندرج فيها المشيئة والإرادة الشرعية التي يحبها الله ويرضاها ويأمر بها، ويندرج فيها أيضا المشيئة والإرادة القدرية الكونية؛ وهذا التفصيل والتفريق الدقيق يحتاج للخبر ولا يعرف إلا به.
• فالقول بأن "القدر" بجميع مراتبه على منزلة واحدة وأن جميعها من "أصل الدين" جهل وضلال.
د/- إذا علمنا باختلاف مراتب "القدر" من جهة ربطها بما يعلم "بالفطرة" فلا يصح الإطلاق بشأنها وإذا كانت المقدمة خاطئة.
* فكيف يرتب عليها مسألة أخرى "مسألة الولدان" لتجعل من المعلوم "بالفطرة" ثم يرتب عليها تكفير "أهل التوحيد"؟!
هـ/- وتدبير خلق الله مترتب على مثل صفة العلم والخلق والحكمة والقدرة وغيرها.
و/- لم أتكلم عن ذات المشيئة والإرادة وربطها بالمسألة ولكني تكلمت عن الفرق بين نوعيها أنه خبري.
- وأما المشيئة والإرادة المتعلقة بخلق كل ما في الكون وتدبيره وأنه بعلم الله وحكمته؛
• فهذا مندرج فيما أودعه الله في الفطر والعقول.
ج/2)- الأثر مقبول لا بأس به؛
- رواهُ عبد الله بن أحمد في زوائد المسند، وابن أبي حاتم و غيرهما، وفيه أبو جعفر الرازي وهو مختلف فيه و اسمه عيسى بن ماهان لم يقوه النسائي، والصحيح إن شاء الله ان أمره يمشى خصوصا، وأن الحديث له طرق وشواهد كثيرة... نعم (أبو جعفر) هذا له مناكير معلومة ولكن عامة أحاديثه مستقيمة كما قال ابن عدي. وتخريج ابن أبي حاتم للأثر في تفسيره مما يقويه فإنه ينتقي الآثار المروية، و أيضا تخريج البخاري لأبي جعفر الرازي في (الأدب المفرد) يدل على استقامة عامة أحاديثه الا اذا تفرد أو خالف أو روى ما فيه منكر أو استنكر الحفاظ النقاد له حديثا، والكلام في هذا يطول وانما يكفي ان شاء الله ما مر.
• وأمَّا الاستدلال به على أن الايمان بالكتب والرسل مدرك بالفطرة فلا وجه للاستدلال بذلك.
- وإرسال الرسل وإنزال الكتب الذي جاء ذكره في بعض روايات الميثاق؛ لم يأت مستقلا وإنما جاء ذكره كتثبيت وتذكير ودعوة لأصل الميثاق المتعلق:
* بمعرفة الله وأنه الرب الخالق المدبر ومن معرفته ارتفاعه عليهم وفوقيته على خلقه حين كلمهم وخاطبهم وهم بين يديه في عالم الذر ولازال هذا مركوز في الفطر والقلوب والعقول.
* ووحدانية الله وتكفير من عبد غيره.
- ونستخلص من ذلك أن أصل الميثاق وحقيقته (معرفة الله وأنه الرب الخالق المدبر المرتفع فوق خلقه وما يجب له من إفراده بالعباده وضلال وكفر من عبد غيره).
- وأما الرسل والكتب فهي للتذكير بالميثاق لا أنها من الميثاق المعلوم بالفطرة والعقل بما أودعه الله فيها.
▪ راجع المقالات التالية:
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين.