حكم المكره
حكم المكره.
* السؤال:
▪ رجل حبس لأجل دينه ودعوته في بلد ما، ويريد من اتهمه أن يطرده إلى بلده الأصلي، ويغلب على من يسجن هناك لأجل دينه التعذيب الشديد بصور متنوعة.
1- فهل يعد مكرها إن كان مثل ذلك حاله؟
2- وهل يجوز له استخدام محامي لكي يدفع عن نفسه هذا البلاء و ينجو من هذا المصير؟
3- ثم هل يجوز مساعدته بنقود لدفع رسومات المحامي وما الى ذلك؟
* الجواب:
- بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
ج/1) لا شك التعذيب داخل في حد الإكراه يعني -واقع عليه- والسجن إكراه كما قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وابن مسعود وغيرهم أن السجن كره والضرب الشديد كره.
• قال ابن أبي شيبة: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ: «الْقَيْدُ كَرْهٌ، وَالسِّجْنُ كَرْهٌ، وَالْوَعِيدُ كَرْهٌ».
- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: «لَيْسَ الرَّجُلُ بِأَمِينٍ عَلَى نَفْسِهِ إِنْ أَجَعْتَهُ، أَوْ أَخَفْتَهُ أَوْ حَبَسْتَهُ».{ المصنف |28302 - 28303 }.
▪ وضابط الإكراه معلوم أنه يتعلق:
أ/- "بالأقوال" على الصحيح.
* قال الله تعالىٰ ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾{ آل عمران | 28 }.
• قال ابن أبي حاتم: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، ثنا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: الثَّوْرِيُّ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «لَيْسَتِ التَّقِيَّةُ بِالْعَمَلِ، إِنَّمَا التَّقِيَّةُ بِالْقَوْل».
- حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ شِهَابٍ الْمَذْحِجِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ سَابِقٍ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ: ﴿ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ً قَال: «التُّقَاةُ بِاللِّسَانِ لَيْسَ بِالْعَمَل».{ تفسيره |3382 - 3383 }.
• قال الطبري: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ قَال: «التُّقَاةُ: التَّكَلُّمُ بِاللِّسَانِ، وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَان».
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ «فَالتَّقِيَّةُ بِاللِّسَانِ مَنْ حَمَلَ عَلَى أَمْرٍ يَتَكَلَّمُ بِهِ وَهُوَ مَعْصِيَةٌ لِلَّهُ فَيَتَكَلَّمُ بِهِ مَخَافَةَ النَّاسِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ، إِنَّمَا التَّقِيَّةُ بِاللِّسَان».
ب/- لابد أن يكون ينجو بعده:
• قال أحمد: «أكره استدامة الإكراه».
- وحديث عمار -رضي الله عنه- ضربوه ثم أطلقوه بعد ما قالها.
• عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فَلَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ ثُمَّ تَرَكُوهُ، فَلَمَّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا وَرَاءَكَ؟» قَالَ: شَرٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تُرِكْتُ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ، وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ قَالَ: «كَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟» قَالَ: مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ قَالَ: «إِنْ عَادُوا فَعُدْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ.{ المستدرك | 3362}.
• إذا كان يعلم إن قالها يترك فله ذلك وأما إن كان يقولها ويبقى معهم فليس هذا وجه إكراه.
- وكذلك سعيد بن جبير -رحمه الله- لما قيل له أنك تفد على "الحجاج" ليأمرك أن تشهد على نفسك بالكفر (على أصل أن "الحجاج" في باب الخروج عن الولاة "كفر أكبر" عنده) فقال -رحمه الله-: «لا أشهد على نفسي بالكفر لأني لا أدري أأنجو أم لا».
• فمن كان لا يدري ينجو أم لا ينجو لا يشهد على نفسه بالكفر.
- ج/2) هذا فرع على "مسألة التحاكم" ونحن نعلم أن التحاكم إلى القوانين التي فيها تبديل للدين ومعاداة للشريعة وأهلها فهذه لا يجوز التحاكم إليها.
- وهو إذا سجن من أجل دينه فهو سيتحاكم إلي قوانين التطرف والإرهاب وهذه قوانين مبدلة، فلا يجوز التحاكم إليها وهذا كفر أكبر داخل في قوله تعالى ٰ﴿يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ﴾.
- لكن إن كان له وجه غير "التحاكم" إلى قوانينهم مثلا (يثبت أنه مظلوم ولم يثبت عنه هذا الفعل) بلا إستناد إلى القوانين المبدلة ولكن لما وضعوه من شروط أو أحكام تتعلق بأنهم لا يأخذون أحد بغير تهمة فهذا لا بأس، كما كان عند "النجاشي" بأنه لا يأخذ أحد إلا بتهمة تثبت عنه، إذا كان لا تهمة تثبت عنه لا يسلمه، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ «لا يُظلم عنده أحداً» لا يأخذ أحد إلا بتهمة، وهذه صور من صور العدل إذا كان من يبرئه من غير طريق القوانين المبدلة ولو "بدفع الرشوة" ليس فيه إشكال وهذا نظيره في الشرع دفع المال لإطلاق الأسرى من "باب الفدية"، قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيز -رحمه الله-: «إنما تشتري الإسلام».
ج/3) أما إذا كان يجعل له "محامي" يتحاكم للقوانين المبدلة فهذا لا يجوز وهو حكمه حكم المتحاكم لأنه المعين المباشر على إحداث الكفر فهو كافر -والعياذ بالله-.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين.