إِجْمَاعُ "الكَرَجِيِّ القَصَّاب" فِي تَكْفيرِ مَانِعِ الزَّكَاةِ
إِجْمَاعُ "الكَرَجِيِّ القَصَّاب" فِي تَكْفيرِ مَانِعِ الزَّكَاةِ
* السؤال:
1- هل الإجماع الذي نقله الكرجي القصاب في تفسيره في كفر الذي يأبى إيتاء الزَّكاة أم فيمن تركها؟
2- ما حُكمُ هذا الأثَر؟
- قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: أَخْبَرَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ عَلِيٍّ اللَّيْثِيِّ، "أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بَعَثَ خَالِدًا، وَأَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِلَ النَّاسَ عَلَى خَمْسٍ، مَنْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ قَاتَلَهُ كَمَا يُقَاتِلُ مَنْ تَرَكَ الْخَمْسَ جَمِيعًا: عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ".(۱)
* الجواب:
- بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
1/- مسألةُ تكفيرِ مانعِ الزَّكاةِ مسألةٌ خلافيّةٌ بين العُلماءِ، أمّا الّذي يَمْتَنِعُ عنها بالشّوكةِ والّذي يَأْبَى قَبولَ الفرضِ فهذا كافرٌ بالإجماعِ.
- فلابد من التّفريقِ؛ عندنا من يَمْتَنِعُ عن أداء فرض فرضه الله -عزوجل- مثلا الزكاة يمتنع عنها بالشّوكةِ هذا كافرٌ بإجماعِ المسلمِينَ وكفره كُفْرَ الاباء وَالاِمْتِنَاعِ، كذلك من أبى قَبولَ الفرض ابتداءً فهذا كافرٌ بإجماعِ المسلمِين.
- أمّا المَانِعُ منعًا مجرّدًا دُونَ الاِمْتِنَاعِ ودون الاباء فهذه مسألةٌ خلافيّةٌ بين العُلماءِ فمِن أهلِ العلم مَن كفَّرهُ ومِنهم مَن لم يُكفِّرهُ فلا إجماعَ فيها فضْلًا عن أن يُبدّع أو يُكفَّر المخالف في هذا كما يفعل بعض الجَهلةِ بعضهم يُكفَّر المخالف في مثل هذه المَسائلِ، بل إن تارك الصّلاةِ أصلا (رغم أن تكفيره مُجمعٌ عليه) إلا أن المُخالفَ إما أن يكون مرجئا وإما أن يكون مخطأ؛ وهذا راجعٌ إلى أصوله في الإيمان، ومن أُولئِك مثلا "ابن أبي زيد القَيروانيِّ" فلا يقال فيه مرجئ بل هو مُخطِئٌ في هذا الباب.
• وأما الكَرَجِيُّ القَصَّاب فمذهبه في مانعِ الزّكاةِ أنّه كافرٌ؛ أي أنّه يُكفِّر تارِك الزّكاةِ تَركًا مُجرّدًا، وقَولهُ هذا مروِيٌّ عن بَعضِ الصّحابةِ وبعض التّابعينَ- رضّي الله عنهم-.
- والإجماع الذي نقله فيمن تركَ تركًا مُجرّدًا؛ وهذا الإجماع الذي حكاه لا يَصِحُّ بل هو تَجَوُّزٌ غَيرُ مَرضِيٍّ.
• وقد ذكرَ مَذهبَهُ في تَكْفيرِ تاركِ الزّكاةِ في مَواضع في تفسيرهِ ومن ذلكَ:
← قال الله تعالى﴿وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ ۞ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾{6-7| فصلت}.
-> قال -رحمه الله-: "..وَمَنْ كَفَرَ بِتَرْكِ إيتائها فَسَوَاءَ ضَمَّ إِلَى كُفْرِهِ كَفْرًا غَيْرَهُ، أَوْ لَمْ يَضُمّ، وَقِتَالُ أَبِي بِكْرٍ الصَّدِيقِ- رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- فِي قِتَالِهِمْ، وَهُمْ مُتَمَسِّكُونَ بِسَائِرِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ دليلٌ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَهُوَ مِنَ الْإِجْمَاعِ الْمُحَصَّلِ، الَّذِي نُسمِيهِ إِجْمَاعَ الأعصار، وَهُوَ حُجَّةٌ."(۲)
• وَهَذَا مِنْهُ خَطَأٌ بَيِّنٌ وَاضِحٌ، لِأنّ الإجماعَ في مسألة تَكْفيرِ مانعِ الزّكاة غَيْرُ مُنْعَقِدٍ؛ بل منَ الأئمّةِ الكِبارِ من لَا يرَى كُفْرَهُ.
2/- هذا الأثرُ لا يَصِحُّ؛ فِيهِ "ابْنُ لَهِيعَةَ" وهو ضَعيفٌ وضَعْفُهُ مشهورٌ معلومٌ عندَ أهلِ الحديثِ وفيهِ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وهو "اللَّيْثِيُّ" الّذِي روى عنهُ "ابْنُ لَهِيعَةَ" قَالَ: [أَخَبَرَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْد]؛ فيهِ كلامٌ مشهورٌ فَمِمَّنْ تكلَّمَ فيه من الأئمَّةِ أَبُو حَاتِمٍ(۳) والنَّسائِيُّ(٤)، وَاِستَنكرَ الإمامُ أحمد روايَتَهُ عن بعضِ الأئمَّةِ المُكْثِرِينَ كما ذكَرَ ذلك عَبْدُاللهِ في مسائلِه(٥).
• فالأثرُ لا يَثْبُتُ من جهةِ السّندِ وإِن كان يُمَشَّى ويُقْبَلُ ذلك أنَّهُ في بابِ المَغازي.
← قال الإمامُ أحمد -رحمه الله-: "ثلاثةُ كتُبٍ لَيْسَ لَهَا أُصولٌ: المغازي، وَالمَلاَحِمُ، وَالتَّفْسِيرُ".(٦)
”بمعنَى أنّ الأسانيد الّتي تُرْوَى في هذهِ الأبوابِ الثّلاثةِ في بابِ التّفسيرِ وفي بابِ المَغازي وفي بابِ المَلاحمِ لا يُعْتَمَدُ عليها ووُجودُها وعَدَمُهُ سَوَاءٌ؛ وهذا لا يعني أنّهُ لم يَصِحَّ شيءٌ في هذه الأبوابِ بل صَحَّتْ أَحاديثٌ وصَحَّتْ رواياتٌ في بابِ التَّفسير وفي بابِ المَغازي وفي بابِ المَلاحِمِ إلّا أنَّ الغالبَ على هذه الأبوابِ الثّلاثةِ أنّها تُرْوَى بأسانيدَ فيها ضَعْفٌ ولا يَعْتَني بها أئمَّةُ الحديثِ -رحمهم الله- كعِنايَتِهِمْ ببابِ العقائِدِ وبابِ الأحكامِ فإنّهُمْ يُشَدِّدُونَ في تلكَ الأبوابِ“
• ثمّ إنّ قِتالَ مَنْ تَركَ الخَمْسُ أو تَركَ غَيْرَها أو مَنْ تَركَ الخَمْسُ وجَحَّدَ غَيْرَها أمرٌ معلومٌ.
▪ ومِمّا يُشْبِهُ هذا الأثَرَ ما جاءَ عندَ اللَّالَكَائِيِّ في السّنَّةِ عن اِبْنِ عَبَّاسٍ -رضي اللهُ عنهما- مرفوعًا:
← قَالَ اللَّالَكَائِيُّ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ النُّكْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا أَحْسَبُهُ إِلَّا رَفَعَهُ، قَالَ: "عُرَى الْإِسْلَامِ، وَقَوَاعِدُ الدِّينِ ثَلَاثَةٌ عَلَيْهِنَّ أُسِّسَ الْإِسْلَامُ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَالصَّلَاةُ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ مَنْ تَرَكَ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً فَهُوَ بِهَا كَافِرٌ حَلَالُ الدَّمِ، تَجِدُهُ كَثِيرَ الْمَالِ لَمْ يَحُجَّ فَلَا يَزَالُ بِذَلِكَ كَافِرًا، وَلَا يَحِلُّ دَمُهُ، وَتَجِدُهُ كَثِيرَ الْمَالِ لَا يُزَكِّي فَلَا يَزَالُ بِذَلِكَ كَافِرًا، وَلَا يَحِلُّ دَمُهُ".(٧)
- وفي الأثَرِ الّذي جاءَ عن أَبِي بَكْرٍ -رضي اللهُ عنهُ- قَالَ: "وَأَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِلَ النَّاسَ عَلَى خَمْسٍ.." ثمّ ذكرَ "..شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَان"؛ ولَم يَذكُرِ الحجَّ.
وفي حديثِ اِبْنِ عَبَّاسٍ مرفوعًا إلى رسولِ الله ﷺ؛ قَالَ: "عُرَى الْإِسْلَامِ، وَقَوَاعِدُ الدِّينِ ثَلَاثَةٌ عَلَيْهِنَّ أُسِّسَ الْإِسْلَامُ:...، مَنْ تَرَكَ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً فَهُوَ بِهَا كَافِرٌ حَلَالُ الدَّمِ"؛ وذكرَ "شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَالصَّلَاةُ، وَصَوْمُ رَمَضَان"؛ ولَم يَذكُرِ الزَّكاةَ والحجَّ.
- وَالحديثُ كما سَبقَ؛ رواهُ اللَّالَكَائِيُّ في السّنَّةِ من حديثِ مُؤَمَّلِ ابْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادٍ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ النُّكْرِي عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس، وشكَّ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ فقال: "وَلَا أَحْسَبُهُ إِلَّا رَفَعَهُ"؛ والحديثُ صَحَّحَهُ جَمْعٌ مِنَ المُتأَخِّرينَ وحَسَّنَهُ بعضُهُمْ كذلكَ وهو معلولٌ بعِلَلٍ فيهِ مُؤَمَّلٌ اِبْنَ إِسْمَاعِيل "صَدُوقٌ، كَثِيرُ الْخَطَأِ" كما قالَ أَبُو حَاتِمٍ(۸)، وفيه أيضًا عَمْرو بْن مَالِكٍ وهو النُّكْرِيُّ؛ لم يُوَثِّقْهُ إلّا اِبْنُ حِبَّان على قاعدتِهِ في تَوْثيقِ المجاهِيلِ.
• والحديثُ مُخالفٌ لمّا جاء عنِ اِبْنِ عُمَرَ -رَضي اللهُ عنهما- في الصّحيحيْنِ:
← عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ".(۹)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
📥 راجع هذه المقالة: [هل نعذر من لا يكفر بترك "الصلاة الواحدة" أو سوغ الخلاف في تكفيره؟]
۱- [سير أعلام النبلاء لذاك الجهمي| (ج28 ص40)].
۲- تفسيره [66-67-68 /4].
۳- قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: أسامة بن زيد الليثي يكتب حديثه ولا يحتج به. [ابن أبي حاتم الرازي| الجرح والتعديل| أسامة بن زيد الليثي].
٤- قال النسائي: أُسَامَة بن زيد روى عَنهُ سُفْيَان الثَّوْريّ لَيْسَ بِثِقَة. [النسائي| الضعفاء والمتروكون/(51)].
٥- قال عبد اللَّه: قال أبي: روى أسامة بن زيد عن نافع أحاديث مناكير.
قلت له: إن إسامة حسن الحديث، قال: إن تدبرت حديثه ستعرف النكرة فيها. ["العلل" رواية عبد اللَّه| (503)، (1428)].
• وقال عبد اللَّه: سألته عن أسامة بن زيد، قال: كان يحيى بن سعيد ترك حديثه بآخره. ["العلل" رواية عبد اللَّه| (1473)].
٦- [الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب| (2/162)].
٧- [شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي |باب جماع الكلام في الإيمان| ابن عباس (1576)].
۸- قال عبدالرحمن: قال سألت أبي عن مؤمل بن اسماعيل فقال: صدوق، شديد في السنة كثير الخطأ يكتب حديثه. [ابن أبي حاتم الرازي| الجرح والتعديل].
۹- رواه البخاري (08) ومسلم (16).
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين.